تروي صديقتي فداء عن ذكريات طفولتها موقفاً طريفاً، تقول كنا قد وصلنا إلى لبنان قادمين من الدوحة، وجاءت جدتي لزيارتنا وبعد السلام والعناق سألتني على عجل أين اتجاه القِبلة؟ فأشرت لها بيدي وأنا مشغولة بلقاء الأحبة، وبينما جدتي تُصلي على الشرفة فإذا بجارتنا أم جورج تنادي: " يا أم محمد القِبلة هنيك عم بتصلي غلط الله يهديكِ! لا تؤاخذيني يا حاجة نسيت أقول لك الحمد الله على سلامتك".يا له من موقف ينبض بالإنسانية وحُسن الجوار والتعايش السلمي، تلمس فيه تلقائية الإحساس بالآخرين بمنتهى اللطف في التوجيه ورحابة صدر الطرفين، بغض النظر عن اختلاف ممارسة أحدهما لنفس الفعل وبنفس الطريقة.الصلاة عبادة وتواصل مع الله، ولأن الله الواحد الأحد خلقنا لعبادته فنحن نتقيه في كل أمورنا، ومن ضمنها الحرص على حياة الناس ومشاعرهم بحُسن المعاملة خاصة إن كانوا جيرانا. قال رسولنا محمد صل الله وسلم: "إنما جئت لأتمم مكارم الأخلاق"، ولو أن كل منا احترم الآخر بكل ما في الإنسانية من قيم راقية ولفت نظره بأدبٍ لَما تراكمت الأخطاء واسودت النفوس، أليس ما حدث سابقاً في لبنان وفي أرجاء العالم كان نتيجة السكوت عن التجاوزات والتصنيفات؟ ألم تنشب الخلافات نتيجة الاختلافات التي خلقت الفوقية والتنمّر فأدّت إلى تعزيز الطائفية وتوسيع الفجوات الطبقية؟لقد عاشت الشعوب بسلام رغم تتابع الرسل واختلاف الأديان حتى هبت زوابع المصالح التي استخدمت الطائفية لتفريق وحدة الصف وتدمير المشاعر الإنسانية، فحُسن الحوار والجوار لم يكن بحاجة لكل هذا التنوير إلا بعد كل ذلك التجهيل، بدليل أن الجميع يتعايشون بسلام في المهجر!